من تفسير " تأملات في قرآن الله وأوضاع الناس"
لفضيلة الشيخ محمد أبو علو
صفحة 35 من الجزء الثاني من تفسير التأملات
من وحي آيات الوصية
في الآيات من 180 وحتى 182 من سورة البقرة
هذا ونحسب أن علينا أن نقف هنا هنيهة مع الوصية كي ندفع عنها أربع شبه هامة:
أولها : دعوى بعضهم نسخها مع آياتها بآيات المواريث أو على الأقل نسخ ما يتعلق منها بالأبوين والأقارب المشاركين في الإرث بنصيب.
وثانيها: احتجاجهم لدعواهم هذه بموقف النبي المعارض من وصية أبي النعمان بن بشير للنعمان ابنه ببعض ما له من بعده زائدا على نصيبه منه بالميراث الشرعي مع إخوته.
وثالثها: تأكيدهم لما يحتجون به من ذلك بالقول الشائع والمشهور عن النبي بأنه ( لا وصية لوارث ).
رابعها: عجزهم عن التوفيق بين ما يراه الموصي بوصيته الخاصة من ماله من المصلحة وما صدر به القانون المصري بوجه عام وإن استند إلى أصل ديني ويعرف باسم الوصية الواجبة لأحفاد المورثين الذين فقدوا آباءهم أو أمهاتهم في حياة أجدادهم أو جداتهم.
وعن الشبهة الأولى نجيب بأنه لا دليل مع القائلين بنسخ الوصية بالميراث لا عن الوارثين ولا عن غيرهم، ودعوى مجردة ع الدليل كهذه لا نقبل من مدعيها بحال.
وعن موقف النبي من وصية أبي النعمان للنعمان لا يصلح هو الآخر وحده دليلا على المنع منها إذ لو كانت حراما في دين الله لما اتخذ النبي منها ومن صاحبها هذا الموقف اللين بأن يقول له على ما نقل عنه أشهد غيري بعد أن يسأله عما إذا كان قد نحل كل ولده مثله ويعقب على ذلك بسؤاله عما إذا كان يحب أن يكونوا له في البر سواء وإنما أقصاه أنه عليه السلام استشعر من أبي النعمان محاباته له بخصوصه بتمييزه له بتلك الوصية عن بقية إخوته فكره منه ذلك.
ولعل هذا الفعل نفسه أو ما شابهه هو الذي دفع النبي لأن يقول قولته الشهيرة ( لا وصية لوارث) على فرض صحتها عنه وبصرف النظر عما وصفها به بعض أهل العلم بالمنقول عنه من الضعف وأيا ما كان حالها فهي لا تبلغ أن تكون مانعا من تطبيق آية الوصية على مستحقيها من والدين وأقارب وإن شاركوا في الميراث أصلا ما دعت المصلحة لأن يوصي لهم مورثهم بالمعروف بجزء من ماله زيادة على ما لهم فيه من حق الميراث.
ولنضرب لذلك بعض الأمثلة من حياة الناس وواقعهم أب أو أم لا مورد لهما من رزق يعيشان عليه إلا ما يعنيهما به ولدهما حال حياته ويرى هذا الولد وقد حضره الموت أن نصيب كل منهما أو أي منهما في تركته بالميراث من بعده لا يكفيه وحده عما كان يمده به حال حياته ألا يكون من العقوق المذموم منه لمن هذا حاله أن يعطل وصيته له وقد دعته إليها الآية الكريمة؟.
وهناك مثل آخر ابن أو بنت أو أخ أو أخت أو قريب له حق في الإرث هو الآخر لكنه معوق عن الكسب لسبب ما أو حدث لا يزال صغير السن ويحتاج من المال لأزيد مما يحتاج إليه شركاؤه في الميراث ألا يعد من البر به والمعروف المسدي إليه كما وصفته الآية أن يخصه مورثه بوصية منه تزيد على حقه في الميراث بحيث تجبر نقصه وتسد عجزه في حدود الثلث الذي حده نبينا لمن أراد الوصية من ماله تبعا لما يراه من المصلحة الموجبة لها والداعية إليها؟.
ويبقى بعد ما تقدم ما نحب أن نلفت نظر الموصى إليه هنا وهو أن يحاول جعل وصيته مقنعة لمن بعده سواء من الورثة أو بقية الموصى لهم والمتحملين لها عنه أو غيرهم كيلا تكون مصدر فرقة وشقاق بين المعنيين بها وبالتالي سببا في رفضهم لها وعدم قبولهم بها ومثل ذلك يكون الموقف من الوصية العامة أو الواجبة بالقانون للأحفاد اليتامى مع ما يرى المورث به لغيرهم ممن يراهم أحوج إليها فإن عليه أن يجتهد في القريب بين وجهات النظر المتعارضة بجعله وصيته أقرب للعدل وأدعى للاحترام من خلفائه الأمناء عليها من بعده والله الهادي بفضله وبره إلى سواء السبيل.
No comments:
Post a Comment